أجاب المشاركون عن الأسئلة بعد كل لعبة لتقييم مستوى تدفقهم، قارن الباحثون نشاط دماغ المشاركين خلال كل حالة.
في أثناء التجربة جرى التحقُّق من السيناريوهات المختلفة باستخدام التقارير الذاتية ومقياس موضوعي لعمق تدفُّق التركيز الجماعي، يستخدم مدى استجابة الدماغ للأصوات غير ذات الصلة باللعبة الأساسية.
كشف تحليل الطاقة الطيفية عن زيادة في طاقة بصمة دماغية فريدة ترتبط بحالة تدفق الفريق: زيادة موجات الدماغ بيتا وجاما في القشرة الصدغية الوسطى اليسرى (L-MTC)، كما كشف تحليل التفاعل السببي أن هذه المنطقة في الدماغ تمثل مصبًّا للمعلومات، وتتلقى معلومات من المناطق التي ترمز إلى التدفق الفردي والحالات الاجتماعية العادية، وهو نوعٌ من نشاط الدماغ المرتبط بمعالجة المعلومات، لقد تبيَّن أن لدى أعضاء الفريق نشاط دماغ متزامنًا/ متناغمًا أكثر في أثناء حالة تدفُّق الفريق مقارنةً بحالة العمل الجماعي العادية.
في المستقبل، يخطط الباحثون لاستخدام التوقيع العصبي neural signature من أجل رصد حالات تدفق الفريق؛ لمراقبة أداء الفريق وبحث إمكانية تعزيزه، وربما بناء فرق أكثر فاعلية.
من أجل فرق جماعية أفضل
وتعليقًا على هذه التجربة، يقول الباحث الرئيسي للدراسة، محمد شحاتة، في تصريح خاص لـ"للعلم" إنه في الفترة الأخيرة ركز اهتمامه حول كيفية دراسة الفروق بين طريقة تفكير الأفراد والمهارات الإدراكية التي لديهم، علاوةً على معرفة كيفية الدمج بين الأفراد بناءً على مهارتهم الإدراكية، مع معرفة الأساس العصبي لهذه الفروق؛ من أجل تكوين فرق عمل أفضل أو متكاملة.
وأضاف أن تكرار هذه الحالة السلوكية في المعمل كان صعبًا بسبب العديد من العوامل، أولها ايجاد مهمة تحدث فيها الحالة السلوكية في وقت قصير، وبطريقة محكمة، ومن دون تشويش على أجهزة المسح الكهربائي للدماغ، وثانيًا إيجاد فرق تكون متوافقةً في المهارة والذوق الفني وحب اللعب كفريق، موضحًا أن ما يميز البحث ويجعله مختلفًا عن غيره أن قياس هذه الحالة السلوكية في جميع الأوراق البحثية السابقة كان معتمدًا على التقارير الذاتية مثل الاستبانات وليس المقياس الموضوعي بواسطة تقنيات مسح الدماغ المتقدمة لقياس أنشطة الدماغ، "وهذا ما أضفناه في هذه الدراسة"، على حد قوله.
تقول ماري ترفانيمي، مديرة الأبحاث بوحدة سيسرو للتعلم وأبحاث الدماغ بجامعة هلسنكي -باحث غير مشارك في الدراسة- في تصريحات خاصة لـ"للعلم": إن الدراسة تجمع بين الأساليب السلوكية التقليدية واستخدام طريقتين مختلفتين جديدتين لمسح الدماغ، موضحةً أن المشاركين في الدراسة فحصوا بعناية، وجرت دعوة عينة فرعية منهم فقط لحضور الجلسات التجريبية، فعمل اثنان من المشاركين كفريق واحد، مما مكَّن العلماء من التحقيق في الأساس العصبي للتدفق flow بطريقة جديدة عند عمل الفريق معًا.
وأضافت أن هذه الدراسة تفتح مجالاتٍ منهجيةً جديدةً للدراسات العلمية في المستقبل، لكن لا يزال يتعين إجراء المزيد من البحوث لمعرفة الجوانب الاجتماعية التي تساعد في فهم تدفق التركيز للفريق، وكيف يمكنها التأثير بالإيجاب على هذه الحالة السلوكية.
خطوة إلى الأمام
وعلى المستوى النفسي والاجتماعي، تقول سوزان ديكر -باحثة بقسم علم النفس بجامعة نيويورك- في تصريحات خاصة لـ"للعلم": إن نتائج التدفق الجماعي في الدراسة المذكورة يمكن أن تكون محوريةً في تجاربنا الاجتماعية والفنية، قائلةً: "الوصول إلى منطقة التناغم والحماس حلمٌ يداعب خيال الجميع، ومع ذلك فدراسته صعبة تجريبيًّا"، لذلك ترى أن هذه دراسة صُممت ببراعة -على حد قولها- يمكن أن تقودنا خطوةً إلى الأمام لفهم كيف يدعم الدماغ التدفق الجماعي للفريق.
وأوضحت أنه من النتائج الواعدة في هذه الدراسة أن الارتباطات العصبية لحالة التدفق شوهدت في كلٍّ من الاختبارات التجريبية، وفي حالة التدفق المبلغ عنها ذاتيًّا للمشاركين، "لذلك يمكن أن تفيد الإستراتيجيات المصممة للفرق الجماعية بغرض تحقيق الحالات الذهنية المطلوبة وتساعد تجربتهم كفريق واحد"، على حد قولها.
ومن أجل الاستفادة من تلك النتائج في توقع أداء الفرق أو التحكم فيه مستقبلًا، يقول "شحاتة": إن الفريق البحثي حصل على تمويل من وكالة الفضاء والطيران الأمريكية (ناسا) وبعض الشركات لبناء لوغاريتمات أو ذكاء اصطناعي لقراءة المسح الكهربائي لأعضاء الفريق الجماعي ولمراقبة تدفق التركيز للفريق، موضحًا أنهم يعملون حاليًّا على استخدام نتائجها في تحسين أداء الفرق الجماعية أو توقع أي تدهور فيه في كثيرٍ من مجالات الحياة.