
علماء النفس أختلفوا في تعريفات الذكاء. منهم من عرف الذكاء حسب وظيفته مثل تيرمان الذي عرفه على أنه: القدرة على التفكير المجرّد وكولفن الذي عرفه على أنه: القدرة على التعلم وشترن الذي عرفه على أنه القدرة على التكيف العقلي مع المواقف الحياتية وجوردان الذي عرفه على أنّه القدرة على توظيف الخبرات السابقة لحل المشكلات والتنبؤ بالمشكلات المستقبليّة التي قد يتعرّض لها الانسان.
لكن هناك علماء نفس آخرين عرفوا الذكاء حسب تكوينه، سبيرمان مثلا عرّف الذكاء على أنّه الاستعداد الفطريّ الذي يؤثّر في النشاط العقليّ بجميع أشكاله. سيريل بييرت قال أن الذكاء هو القدرات الفطريّة المعرفيّة العامة أما عالم النفس الفرنسي ألفريد بينيه فقال أن الذكاء يتكون من 4 قدرات، وهي: الفهم والابتكار والنقد والقدرة على توجيه التفكير في جانب معيّن.
بينيه واحد من أكثر علماء النفس وعلماء فرنسا نفوذاً، عرف بأبحاثه المكثفة المتعلقة بالقدرة العقلية للبشر. أحدث ثورة في مجال التعليم وفي مجال علم النفس وخصوصا فيما يتعلق باختبارات الذكاء. كانت النتائج التي توصل لها بينيه سابقة لزمنه، وعلى الرغم أنه لم يكن مدركا لأهمية وقيمة مساهماته، إلا أن اسمه كان من أبرز الأسماء في عالم علم النفس.
كان ل بينيه مؤلفات كثيرة في مجالات الفيزياء النفسية والإبداع ، ويمكن أن نذكر هنا دوريته الأسطورة "السنة النفسية" ، والتي لا تزال حتى اليوم تعتبر دورية مهمة في علم النفس.
ولد بينيه في شهر يوليو في عام 1857 في مدينة نيس الفرنسية والده كان طبيبا ووالدته فنانة. وهو طفل صغير، أنفصل أبوه وأمه بالطلاق وعاش بينيه مع أمه. في سن 15 عاما حصل على جوائز كثيرة في التأليف الأدبي والترجمة في مدرسة لويس لوجران المرموقة. كان القانون والطب من مواضيعه المفضلة. حصل على شهادة في القانون لكنه اختار ألا يستمر في مهنة القانون.
وهو في منتصف العشرينات، علم بينيه نفسه من خلال قراءة كتب علم النفس في المكتبة الوطنية في باريس. هناك، درس التطورات والاتجاهات في علم النفس. كانت أعمال ثيودل ريبوت وجون ستيوارت ميل مصدر إلهام لبينيه ساعدت هذه الأعمال على تعزيز حماسه لعلم النفس الحسي وعلم النفس الجمعي.
التقى بينيه بأخصائي الأعصاب جان مارتان شاركو في مستشفى سالبيترييير في أوائل ثمانينيات القرن ال 19 والذي كان مفتونا بأعماله. رمى بينيه تعليمه القانوني وراء ظهره وعمل في المستشفى وقدم أبحاثا على نطاق واسع عن التنويم المغناطيسي والهستيريا ونشرها.
في عام 1884 تزوج بينيه من لور بالبياني بنت عالم الأجنة الشهير إدوارد جيرار بالبياني. وخلف بنتين مادلين وأليس. قرر بينيه بعد الخلفة أن يترك منصبه في مستشفى سالبيترييير في عام 1890 ويكرس وقته لبناته. قام بتجارب منزلية على البنتين ولاحظ سلوكهم واستجاباتهم بطريقة منهجية. بعد ذلك، نشر ثلاث ورقات علمية تضمنت كل ملاحظاته ، ووضح التجارب التي تعاملت مع الاختلافات الفردية وقياس الذكاء.
في عام 1892، تطوع بينيه في معمل علم النفس التجريبي في السوربون. وبعد ثلاث سنوات، تم تعيينه مديرًا واستمر في هذا المنصب حتى وفاته. عمل مع هنري هيونيس وثيودور سيمون لتأسيس دورية علم النفس "L'Année psychologique" (السنة النفسية) والتي تعتبر واحدة من أهم المساهمات في تاريخ علم النفس.
لفترة قصيرة، ساعد الكيميائي الفيزيائي الفرنسي فيكتور هنري بينيه في تحقيقات الذاكرة البصرية والأبحاث المتعلقة بعلم النفس الفردي.
أصبح بينيه عضوًا في الجمعية الحرة للدراسة النفسية للطفل وساهم أيضا في اللجنة الفرنسية لتعليم الأطفال المتأخرين عقليا. طرق بينيه نشرت في عام 1903 في كتاب "L’Etude Experale de l’intelligence" أو "الدراسة التجريبية للذكاء".
أبحاث بينيه التجريبية شملت أطفال المدارس. وفي عام 1905، أدخل بينيه مع مساعده البحثي تيودور سيمون اختبارات لقياس ذكاء الأطفال. كان الاختبار يتضمن ثلاثين مهمة متدرجة في الصعوبة. وكانت الاختبارات تمثل المعالم العقلية للطفل في مرحلة النمو وتم تجربتها على أطفال كثيرين ما نتج عنه الوصول لمتوسط درجة لكل سن. أداء الطفل في الاختبارات من الممكن أن يكشف عن عمره العقلي. كان مقياس "بينيه-سيمون" تطور تاريخي وأصبح شائع الاستخدام في جميع أنحاء العالم وساعد في تحديد الأطفال الذين يعانون من صعوبات في التعلم. بعد فترة، أدرك بينيه أن الاختبارات لم تكن مثالية وشدد على أن التطور العقلي يمكن أن يتقدم بمعدلات مختلفة عند الأطفال. وبالفعل قام بمراجعة ثانية لمقياس بيني- سيمون في عام 1908 ومراجعة ثالثة في عام 1911، قبل وفاته مباشرة. توفي بينيه في عام1911. بعد وفاته ب 6 سنوات، في عام 1917، صوتت الجمعية الحرة للدراسة النفسية للطفل لتغيير اسمها إلى"جمعية ألفريد بينيه" تكريما له.