Skip to main content
للعِلم
  • الإشتراك بالنشرة الدورية
خيارات البحث المتقدم
  • فيروس كورونا
  • العلوم
  • العقل
  • الصحة
  • التكنولوجيا
  • الاستدامة
  • تعليم
  • فيديو
  • بودكاست
      دقيقة للعِلم
      الطب
      دقيقة للعِلم
      إشترك:
      • Apple iTunes
      • RSS

      فليمنج وفلوري وتشين.. أصحابُ الإنجازِ الطبيِّ الأبرزِ في القرنِ العشرين

      • بقلم محمد منصور، داليا عبد السلام بتاريخ 30 نوفمبر 2020
      حمِّل
      حمِّل MP3
      • شارك على Facebook
      • شارك على Twitter
      • شارك على Reddit
      • شارك على LinkedIn
      • شارك على
      • إطبع
      فليمنج وفلوري وتشين.. أصحابُ الإنجازِ الطبيِّ الأبرزِ في القرنِ العشرين
      النص الكامل

      كانَ الطبيبُ الإنجليزيُّ عائدًا للتوِّ منْ إجازةٍ صيفيةٍ قضاها في إسكتلندا. كانْ الجوُّ حارًّا في مدينةِ الضباب؛ دخلَ الطبيبُ مختبرَه في مستشفى سانت ماري ليجدَ فوضى عارمةً في انتظارِه.. الفوضى التي قادتْهُ لاكتشافِ الإنجازِ الأبرزِ في القرنِ العشرين.. "البنسلين".

      يمثلُ اكتشافُ البنسلين، أحدِ المضاداتِ الحيويةِ الأولى في العالم؛ نقطةَ تحولٍ تاريخيةً حقيقيةً في تاريخِ البشرية. فقدْ أصبحَ لدى الأطباءِ أخيرًا أداةٌ تمكِّنُهم منْ علاجِ مرضاهم تمامًا منَ الأمراضِ المُعديةِ المُميتة.

      داخلَ المعملِ؛ لاحظَ "ألكسندر فليمنج" أنَّ العفنَ الذي لوثَ أحدَ أطباقِ المعملِ المنسية؛ منعَ بكتيريا المكوراتِ العنقوديةِ منَ النموِّ. على الفور؛ بدأ "فليمنج" تجاربَه. وبعدَ عدةِ أسابيعَ أخرى تمكنَ منْ تأكيدِ تجاربِه. واستنتجَ أنَّ هناكَ بعضَ العواملِ في قالَبِ البنسليوم يُمكنُ أنْ تثبِّطَ منْ نموِّ البكتيريا؛ كما يمكنُ تسخيرُها لمكافحةِ الأمراضِ المُعدية.

      في مذكراتِه؛ كتبَ "فليمنج": عندما استيقظتُ منَ النومِ يومَ الثامنِ والعشرينَ منْ سبتمبر عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثمانيةٍ وعشرينَ لمْ أخططْ بالتأكيدِ لإحداثِ ثورةٍ في الطبِّ منْ خلالِ اكتشافِ أولِ قاتلٍ للبكتيريا في العالم.. لكنَّ هذا هوَ بالضبطِ ما فعلُته".

      بعدَ أربعةَ عشَرَ عامًا منْ ذلكَ الاكتشاف؛ أصبحتْ "آن ميلر" أولَ مريضةٍ مدنيةٍ يتمُّ علاجُها بالبنسلين؛ إذْ كانتْ تقتربُ منَ الموتِ في مستشفى أمريكيٍّ بعدَ إجهاضِها وتطوُّرِ عدوى أدتْ إلى تسمُّمِ الدم. كانَ عمرُ "آن" في ذلكَ التوقيِتِ ثلاثةً وثلاثينَ عامًا؛ وتعرَّضتْ لحمى لمدةِ أسابيعَ طويلة؛ الأمرُ الذي اضطرَّ طبيبَها إلى استخدامِ جميعِ اتصالاتِه بالحكومةِ للحصولِ على "ملءِ ملعقةٍ" منَ البنسلين منَ الحكومةِ التي كانتْ تسيطرُ على الأدويةِ في فترةِ الحرب. كانتْ تلكَ الملعقةُ هيَ نصفُ ما تملكُهُ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ كلُّها منَ البنسلين؛ وبفضلِ تلكَ الملعقةِ؛ شُفيتِ السيدةُ بعدَ يومٍ واحدٍ بصورةٍ أقربَ إلى المعجزةِ، وعاشتْ حتى بلغتِ التسعينَ منْ عمرِها.

      وبعدَ ثلاثةِ أعوامٍ منْ ذلكَ التاريخ؛ حصلَ كُلٌّ منْ "ألكسندر فليمنج" و"إرنست تشين" و"هوارد فلوري" على جائزةِ نوبل الطب عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وخمسةٍ وأربعينَ. تقديرًا لاكتشافاتِهم المتعلقةِ بالبنسلين.

      لكنْ.. لتلكَ القصةِ بداية.

      بُذِلتْ محاولاتُ الوصولِ إلى هدفِ علومِ الطبِّ، ألا وهوَ الوقايةُ منَ الأمراضِ وعلاجُها منْ خلالِ العديدِ منَ المساراتِ المختلفة. أصبحتِ الأمراضُ الجديدةُ توصَفُ بدقةٍ معَ اتِّساعِ نطاقِ معرفتِنا بطبيعةِ الأمراضِ المختلفة. وبالتالي، حاولَ الأطباءُ والعلماءُ مكافحتَها وعلاجَها بشتَّى الطرق. بفضلِ العملِ البحثيِّ للويس باستور وروبرت كوخ، تمَّ الكشفُ عنْ طبيعةِ الأمراضِ المُعدية، وتوضيحُ العلاقةِ بينَها وبينَ غزوِ الجسمِ منْ قِبَلِ البكتيريا والكائناتِ الدقيقةِ الأخرى. كانَ هذا تقدمًا هائلاً للوقايةِ والعلاجِ منْ هذهِ المجموعةِ المهمةِ منَ الأمراض. فتلكَ المجموعةُ منَ الأمراضِ تسببتْ في أسوأِ ويلاتِ البشرية، وقتلتْ شعوبًا بأكملِها، وفي بعضِ الأحيانِ دمرتْ مساحاتٍ واسعة.

      في تتابُعٍ سريع، تمَّ تطويرُ أشكالٍ مختلفةٍ منَ التطعيمِ، والأمصالِ؛ وقُدمتْ جائزةُ نوبل الأولى في الطبِّ لذلكَ الإنجاز. بينما تمَّ تقديمُ جائزةِ نوبل الأولى في علمِ وظائفِ الأعضاءِ أو الطبِّ منذُ أربعةٍ وأربعينَ عامًا.

      ثمَّ جرتْ في النهرِ مياهٌ كثيرة؛ حتى وصلَ بنا الحالُ إلى عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثمانيةٍ وعشرينَ، ذلكَ التاريخُ الذي غيَّرَ وجهَ البشريةِ حينَ لاحظَ "فليمنج" في سياقِ تجاربِهِ مع البكتيريا المقيحةِ لمجموعةِ المكوراتِ العنقودية، أنَّهُ حولَ بقعةٍ منَ العَفَنِ تلوثتْ بالصدفة؛ تمَّ قتلُ مستعمراتِ البكتيريا وانحلالُها. كانَ فليمنغ قدْ أجرى في وقتٍ سابقٍ دراسةً عنْ موادَّ مختلفةٍ تمنعُ نموَّ البكتيريا، ومنْ بينِ أمورٍ أخرى، وُجدتْ واحدةٌ في السائلِ الدمعيِّ واللعاب، مادةٌ كيميائيةٌ تُسمى الليزوزيم.

      أظهرَ "فليمنج" أنَّ البنسلين كانَ فعالًا للغايةِ ضدَّ مستعمراتِ العديدِ منْ أنواعِ البكتيريا المختلفة، وخاصةً تلكَ التي تنتمي إلى المجموعةِ التي تؤدِّي إلى التهابِ السحايا والالتهابِ الرئويِّ والتهابِ السحايا الدماغية؛ كما تقتلُ أنواعٌ أخرى معينةٌ مثلَ بكتيريا الدفتيريا والجمرةِ الخبيثةِ والغرغرينا الغازية.

      وخلالَ ثلاثِ سنواتٍ تلتِ اكتشافَه؛ جاهدَ "فليمنج" لعزلِ البنسلين وتنقيتِه؛ إلا أنَّهُ فشِلَ في ذلكَ الأمرِ. فكلما حاولَ تنقيتَهُ؛ فقدتِ المادةُ فاعليتَها على قتلِ البكتيريا.

      في ذلكَ التوقيت؛ كانَ البروفسور "هوارد فلوري" يكرِّسُ اهتمامه لقوى الحمايةِ الطبيعيةِ للجسمِ ضدَّ الأمراضِ المُعدية، جنبًا إلى جنبٍ معَ زملائِهِ في العمل، درسَ الليزوزيم ونجحَ في توضيحِ طبيعتِها. شاركَ الدكتور إرنست بوريس تشين، الكيميائيّ، في المرحلةِ النهائيةِ منْ هذهِ التحقيقات، وخلالَ عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثمانيةٍ وثلاثينَ قررَ الباحثانِ معًا التحقيقَ في الموادِ المضادةِ للبكتيريا الأخرى التي تتكونُ منَ الكائناتِ الدقيقة، وكانَ تفكيرُهُم الأوَّليَّ منصبًّا على البنسلين.

      كانَ منَ الواضحِ بالتأكيدِ أنَّ تحضيرَ المادةِ في صورةٍ نقيةٍ ينطوي على صعوباتٍ كبيرة، ولكنْ منْ ناحيةٍ أخرى، أعطى تأثيرُها القويُّ ضدَّ العديدِ منَ البكتيريا بعضَ الأملِ في النجاح.

      وضعَ تشين وفلوري خطةً للعملِ، لكنْ؛ ونظرًا لحجمِ المهمةِ الكبير، شاركَهمْ طواقمُ علميةٌ وصلَ عددُها إلى العشرات.

      توصلَ أحدُ الباحثينَ إلى طريقةٍ ملائمةٍ لتحديدِ القوةِ النسبيةِ لمائعٍ يحتوي على محتوى بنسلين، عنْ طريقِ المقارنةِ في ظلِّ الظروفِ القياسيةِ بينَ تأثيرِهِ المضادِّ للبكتيريا وتأثيرِ محلولِ البنسلين المحضَّرِ في المختبر. ثمَّ عمِلوا على قياسِ كميةِ البنسلين الموجودةِ في سنتيمترٍ مكعبٍ واحد. أطلقَ على تلكَ الكميةِ "وحدة أكسفورد".

      في تجاربِ التنقيةِ التي تمَّ إجراؤُها بعدَ ذلك، تمتْ زراعةُ العفنِ في سائلٍ مغذٍّ خاصٍّ في أوعيةٍ، لا يمكنُ للهواءِ الوصولُ إليهِ إلا بعدَ ترشيحِه منْ خلالِ الصوفِ القطني.

      بعدَ حوالَي أسبوعٍ وصلَ محتوى البنسلين إلى أعلى قيمتِهِ وتبِعَهُ الاستخلاص. وتمت الاستفادةُ منْ ملحوظةِ أنَّ البنسلينَ الحرَّ هوَ حمضٌ يذوبُ بسهولةٍ في مذيباتٍ عضويةٍ معينةٍ أكثرَ منَ الماء، أما أملاحُهُ معَ القلوياتِ فتذوبُ بسهولةٍ في الماء.

      تمَّ تفكيكُ البنسلين بسهولةٍ في محلولٍ مائيٍّ وإجراءُ العمليةِ عندَ درجةِ حرارةٍ منخفضة. وهكذا يمكنُ إعادةُ البنسلين إلى محلولِ الماءِ بعدَ أنْ تنخفضَ درجةُ الحموضة. بهذهِ الطريقةِ يمكنُ إزالةُ العديدِ منَ الشوائب، وبعدَ تبخيرِ المحلولِ عندَ درجةِ حرارةٍ منخفضةٍ كانَ منَ الممكنِ الحصولُ على مستحضرٍ جافٍّ ثابت. تبلغُ قوتُهُ إلى ما بينَ أربعينَ وخمسينَ وحدةً لكلِّ ملليجرام. يمنعُ ذلكَ التركيزُ نموَّ المكوِّراتِ العنقوديةِ بتخفيفٍ لا يقلُّ عنْ واحدٍ لكلِّ مليون - وبالتالي تمَّ تركيزُ المادةِ الفعالةِ بنجاحٍ كبيرٍ جدًّا.

      تمكَّنَ الباحثونَ في "أكسفورد" منْ تأكيدِ ملحوظةِ فليمنج أنَّ البنسلين كانَ سامًّا بشكلٍ طفيفٍ فقط، ووجدوا أنَّ تأثيرَه لمْ يضعُفْ إلى أيِّ حدٍّ يستحقُّ الذكرَ في وجودِ الدمِ أوِ الصديد. كما تأكدوا أيضًا منْ أنَّهُ يتلفُ بسهولةٍ في الجهازِ الهضمي، ولكنْ بعدَ الحقنِ تحتَ الجلدِ أو في العضلات، يُمتصُّ بسرعةٍ في الجسم، ليتمَّ إفرازُه بسرعةٍ مرةً أخرى عنْ طريقِ الكُلى.. وبالتالي عرفَ الباحثونَ أنَّ الطريقةَ المُثلى للعلاجِ بالبنسلين هيَ حَقنهُ تحتَ الجلد.

      في تلكَ المرحلة، أدركَ فلوري أنَّ لديهِ معلوماتٍ واعدةً كافيةً لاختبارِ العُقارِ على الناس. لكنَّ المشكلةَ بقيتْ: كيفيةُ إنتاجِ ما يكفي منَ البنسلين النقيِّ لعلاجِ الناس. على الرغمِ منَ الجهودِ المبذولةِ لزيادةِ العائدِ منْ مزارعِ العَفَن، فقدْ تطلبَ الأمرُ ألفَي لترٍ منْ سائلِ زراعةِ العفنِ للحصولِ على ما يكفي منَ البنسلينِ النقيِّ لمعالجةِ حالةٍ واحدةٍ منَ الإنتانِ عندَ الإنسان.

      في سبتمبر عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وأربعينَ، كانَ شرطيٌّ منْ أكسفورد يُدعى ألبرت ألكساندر ويبلغُ عمرُه ثمانيةً وأربعينَ عامًا، أولَ حالةِ اختبار. كانَ ذلكَ الشرطيُّ يعاني منْ إصابةٍ تسببتْ في انتشارِ المكوراتِ العقديةِ والعنقوديةِ في عينيهِ وفروةِ رأسه. على الرغمِ منْ دخولِهِ إلى مستشفى رادكليف وعلاجِهِ بجرعاتٍ منْ أدويةِ السلفا، إلا أنَّ العدوى ساءتْ. سمعَ فلوري وتشين عنِ الحالةِ المروِّعةِ على مائدةِ العشاءِ ذاتَ مساء، وسألوا على الفورِ أطباءَ رادكليف عمَّا إذا كانَ بإمكانِهم تجربةُ البنسلين "المنقى". بعدَ خمسةِ أيامٍ منْ حَقنِ "ألكساندر" بالبنسلين؛ بدأَ في التعافي؛ إلا أنَّ "تشين" و"فلوري" لمْ يكنْ لديهِما ما يكفي منَ البنسلينِ النقيِّ للقضاءِ على العدوى؛ فتُوفِّيَ الشرطيُّ في النهاية.

      في أحدِ أيامِ الصيفِ الحارة، وصلتْ مساعدةُ المختبر، ماري هانت، ومعها شمامٌ التقطتْهُ منَ السوقِ وكانَ مغطًّى بـ "قالبٍ ذهبيٍّ جميل" تبيَّنَ بالصدفةِ أنهُ منْ فطرِ "Penicillium Chrysogeum". أنتجتْ تلكَ الشمامةُ مئتَيْ ضِعفِ كميةِ البنسلين. وكانتْ تلكَ هيَ البدايةَ الجديدة.

      نُشرتِ التجاربُ الأولى التي أُعطيَ فيها البنسلينُ للمرضى في أغسطس عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وواحدٍ وأربعينَ، وبدا أنها واعدة، ولكنْ نظرًا لعدمِ كفايةِ الإمداداتِ منَ العقار، كانَ لا بدَّ منْ إيقافِ العلاجِ في بعضِ الحالاتِ قبلَ الأوان. ومعَ ذلك، نجحَ "فلوري" في إثارةِ اهتمامِ السلطاتِ في الولاياتِ المتحدةِ بالعلاجِ الجديد، وبالتعاوُنِ معَ عددٍ منَ الباحثين؛ تمكَّنَ منْ إنتاجِ البنسلين بتكلفةٍ زهيدةٍ عبرَ استخدامِ الفطرِ وتحفيزِهِ بالأشعةِ السينية.

      في الحربِ العالميةِ الثانية، أثبتَ البنسلينُ قوتَه. على مرِّ التاريخ، كانَ القاتلُ الرئيسيُّ في الحروبِ هوَ العدوى وليسَ إصاباتِ المعركة. في الحربِ العالميةِ الأولى، كانَ معدلُ الوفياتِ منَ الالتهابِ الرئويِّ الجرثوميِّ ثمانيةَ عشَرَ بالمئةِ. في الحربِ العالميةِ الثانية، انخفضَ إلى أقلَّ منْ واحدٍ في المئة.. بفضلِ البنسلين.

      فمنْ يناير إلى مايو عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ واثنينِ وأربعينَ، تمَّ تصنيعُ أربعِمئةِ مليون وحدةٍ منَ البنسلينِ النقي. بحلولِ نهايةِ الحربِ، كانتْ شركاتُ الأدويةِ الأمريكيةُ تنتجُ سِتَّمئةٍ وخمسينَ مليار وحدةٍ شهريًّا.

      ومنَ المفارقاتِ أنَّ فلمنج لمْ يقمْ بعملٍ يُذكرُ على البنسلين بعدَ ملحوظاتِهِ الأوليةِ في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثمانيةٍ وعشرينَ. وابتداءً منْ عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وواحدٍ وأربعينَ، بعدَ أنْ بدأَ مراسلو الأخبارِ بتغطيةِ التجاربِ المبكرةِ للمضادِّ الحيويِّ على الناسِ وكتبوا العديدَ منَ المقالاتِ عنْ مكتشِفِه، وهوَ الأمرُ الذي أثارَ ذُعرَ "فلوري" و"تشين"؛ إذْ تمَّ تجاهُلُ عملِهِما بالكامل.. وهوَ العملُ الذي لولاهُ ما عرفنا شيئًا عنْ ذلكَ المضادِّ الحيويِّ العجيب.

      لكنَّ تلكَ المشكلةَ تمَّ حلُّها؛ حينَ منحتْ لجنةُ نوبل الجائزةَ للعلماءِ الثلاثةِ معًا.

      وفي خطابِ قَبولِ الجائزةِ الذي ألقاهُ؛ حذرَ فليمنج ببصيرةٍ منْ أنَّ الإفراطَ في استخدامِ البنسلين قدْ يؤدِّي إلى مقاومةِ البكتيريا. وهيَ المشكلةُ التي نواجهُها اليومَ فعليًّا.

      وُلدَ السير ألكسندر فليمنج في لوشفيلد بإسكتلندا في السادسِ منْ أغسطس عامَ ألفٍ وثَمانِمئةٍ وواحدٍ وثمانينَ. التحقَ بمدرسةِ لودين مور ومدرسةِ دارفيل وأكاديميةِ كيلمارنوك قبلَ أنْ ينتقلَ إلى لندن حيثُ التحقَ بكليةِ الفنونِ التطبيقية.

      أمضى أربعَ سنواتٍ في العملِ بمكتبِ الشحنِ قبلَ الالتحاقِ بكليةِ سانت ماري الطبيةِ بجامعةِ لندن. تأهلَ بامتيازٍ في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وستة، وبدأَ مشوارَهُ العلميَّ تحتَ قيادةِ السير ألمروث رايت، وهوَ رائدٌ في العلاجِ باللقاحات.

      حصلَ على بكالوريوس الطبِّ والجراحةِ (في لندن) في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثمانية، وأصبحَ محاضِرًا في سانت ماري حتى عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وأربعةَ عشَر.

      ثمَّ خدمَ طِوالَ الحربِ العالميةِ الأولى كقائدٍ في الفيلقِ الطبيِّ للجيش. بعدها انتُخبَ أستاذًا للمدرسةِ عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثمانيةٍ وعشرينَ وأستاذًا فخريًّا لعلمِ الجراثيمِ بجامعةِ لندن عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثمانيةٍ وأربعينَ. انتُخبَ زميلاً للجمعيةِ الملكيةِ عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثلاثةٍ وأربعين وحصلَ على لقبِ فارسٍ عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وأربعةٍ وأربعين.

      في وقتٍ مبكرٍ منْ حياتِهِ الطبية، أصبحَ فليمنج مهتمًّا بالعملِ البكتيريِّ الطبيعيِّ للدمِ والمطهِّرات. كانَ قادرًا على مواصلةِ دراستِه طِوالَ حياتِه العسكرية، وعندَ تركِ الجيشِ استقرَّ للعملِ على الموادِّ المضادةِ للبكتيريا غيرِ السامةِ لأنسجةِ الحيوانات. في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وواحدٍ وعشرينَ اكتشفَ في «الأنسجة والإفرازات» مادةً مهمةً للجراثيمِ أطلقَ عليها اسمَ الليزوزيم. في هذا الوقتِ تقريبًا، ابتكرَ طرقًا لمُعايرةِ الحساسيةِ واستخدمَها لاحقًا لمعايرةِ البنسلين.

      في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثمانيةٍ وعشرينَ، وفي أثناءِ عملِه على فيروس الأنفلونزا، لاحظَ أنَّ العفنَ قدْ تطورَ عنْ غيرِ قصدٍ على صفيحةِ استزراعِ المكوراتِ العنقودية، وأنَّ القالبَ أنشأَ دائرةً خاليةً منَ البكتيريا حولَ نفسِه. كانَ ذلكَ مصدرَ إلهامٍ لمزيدٍ منَ التجاربِ ووجدَ أنَّ مستعمراتِ العفنِ منعتْ نموَّ المكوراتِ العنقودية، حتى عندما تمَّ تخفيفُها ثمانَمئةِ مرة. أطلقَ على المادةِ الفعالةِ البنسلين.

      في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وخمسةَ عشَر، تزوجَ فليمنج منَ الأيرلنديةِ سارة ماريون ماكلروي، التي تُوفيتْ عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وتسعةٍ وأربعينَ. فتزوجَ فليمنج مرةً أخرى في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثلاثةٍ وخمسينَ منَ الدكتورة أماليا كوتسوري-فوريكا، وهيَ زميلةٌ يونانيةٌ في سانت ماري.

      تُوفِّي الدكتور فليمنج في الحاديَ عشَرَ من مارس عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وخمسةٍ وخمسينَ، ودُفنَ في كاتدرائيةِ القديس بولس.

      أمَّا السير هوارد والتر فلوري فقدْ وُلِدَ في الرابع والعشرينَ من سبتمبر عامَ ألفٍ وثمانِمئةٍ وثمانيةٍ وتسعينَ في أديلايد بجنوبِ أستراليا، وهوَ ابنُ جوزيف وبيرتا ماري فلوري. حصلَ على درجةِ الماجستير منْ أكسفورد. ثمَّ تابعَ دراستَهُ في جامعةِ كامبريدج. وحصلَ على وظيفةٍ كأستاذِ كرسي "جوزيف هانتر" لعلمِ الأمراضِ في جامعةِ شيفيلد.

      تركَ شيفيلد في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وخمسةٍ وثلاثين، وأصبحَ أستاذًا في علمِ الأمراضِ وزميلًا في كليةِ لينكولن بأكسفورد. تمَّ تعيينُه زميلًا فخريًّا لكليةِ جونفيل وكايوس بكامبريدج عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وستةٍ وأربعينَ، وزميلًا فخريًّا لكليةِ ماجدالين بأكسفورد عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ واثنينِ وخمسينَ. وفي عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ واثنينِ وستينَ تمَّ تعيينُهُ وكيلًا لكليةِ كوينز بأكسفورد.

      خلالَ الحربِ العالميةِ الثانيةِ تمَّ تعيينُهُ مستشارًا فخريًّا في علمِ الأمراضِ بالجيش. وحصلَ على رتبةِ فارسٍ عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وأربعةٍ وأربعين.

      أمَّا إرنست بوريس تشين فقدْ وُلدَ في التاسعَ عشَرَ منْ يونيو عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وستة، في برلين، والدُهُ، الدكتور مايكل تشين كانَ يعملُ كيميائيًّا في مجالِ التصنيع.

       سرعانَ ما أصبحَ "تشين" مهتمًّا بالكيمياء، مدفوعًا بزياراتٍ إلى مختبرِ والدِه ومصنعِه. التحقَ بعدَ ذلكَ بجامعةِ فريدريش فيلهلم برلين، حيثُ تخرَّجَ في قسمِ الكيمياءِ عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثلاثينَ. كانَ مهتمًّا بالكيمياءِ الحيويةِ منذُ سنٍّ مبكرةٍ، وبعدَ التخرُّجِ عمِلَ لمدةِ ثلاثِ سنواتٍ في مستشفى شاريتيه، برلين، في قسمِ أبحاثِ الإنزيم.

      في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثلاثةٍ وثلاثينَ، بعدَ وصولِ النظامِ النازيِّ إلى السلطةِ في ألمانيا، ذلكَ النظامُ الذي كانَ يضطهدُ اليهود، هاجرَ اليهوديُّ "تشين" إلى إنجلترا. وهناكَ، قضى أولَ عامينِ لهُ في العملِ في مدرسةِ الكيمياءِ الحيوية، كامبريدج، تحتَ إشرافِ السير فريدريك جولاند هوبكنز، الذي حظِيَ بإعجابٍ كبيرٍ بشخصيتِهِ وقدرتِهِ العلمية.

      في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وخمسةٍ وثلاثينَ تمتْ دعوتُهُ إلى جامعةِ أكسفورد، حيثُ عملَ في مدرسةِ السير ويليام دن لعلمِ الأمراض، وأصبحَ في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وستةٍ وثلاثينَ معيدًا ومحاضرًا في علمِ الأمراضِ الكيميائي. في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثمانيةٍ وأربعينَ تمَّ تعيينُه مديرًا علميًّا لمركزِ الأبحاثِ الدوليِّ لعلمِ الأحياءِ الدقيقةِ الكيميائية.

      غطتْ أبحاثُهُ مجموعةً واسعةً منَ الموضوعات. من عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وخمسةٍ وثلاثينَ إلى عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وتسعةٍ وثلاثينَ عمِلَ على سمومِ الثعابينِ واستقلابِ الأورامِ السرطانيةِ وآليةِ عملِ الليزوزيم، كما اخترعَ وطورَ طرقًا للتحليلِ الدقيقِ الكيميائيِّ الحيوي.

      بعدَ ذلكَ؛ قامَ بمساعدةِ السير "فلوري" في عملِ دراسةٍ منهجيةٍ للموادِ المضادةِ للبكتيريا التي تنتجُها الكائناتُ الحيةُ الدقيقة. أدى ذلكَ إلى أفضلِ أعمالِه المعروفةِ في مجالِ البنسلين واكتشافِ تأثيرهِ العلاجيِّ الكيميائي. عمِلَ لاحقًا على عزلِ وتوضيحِ التركيبِ الكيميائيِّ للبنسلين والمضاداتِ الحيويةِ الطبيعيةِ الأخرى.

      إغلق النص

      عن الكتّاب

      author-avatar

      محمد منصور

        محرر علمي درس الهندسة الميكانيكية بجامعة حلوان المصرية. وحصل على دورات متخصصة في الصحافة العلمية من جامعة ييل، ودورات في مجال صحافة الطاقة في جامعة ستانفورد، يركز في عمله على القضايا العلمية المرتبطة بالتنمية المجتمعية وقضايا التغير المناخى.

        أحدث مقالات الكاتب

        • باحث الطيران المصري هيثم عزت: التحليق في البحث العلمي يستلزم مقاومة الإحباط
        • هانش وكندال ورايخشتاين: ثلاثي كشف غموضِ الغدة الكظرية
        • في نشرة العلوم خطوة جديدة في طريق علاج العمى بالخلايا الجذعية
        author-avatar

        داليا عبد السلام

        رئيس تحرير "للعلم" الطبعة العربية لساينتفك أمريكان وصحفية حاصلة على جوائز ومتخصصة في شئون البيئة

        أحدث مقالات الكاتب

        • هانش وكندال ورايخشتاين: ثلاثي كشف غموضِ الغدة الكظرية
        • فرانك زامبوني...المبتكر الذي كرمه مشجع هوكي!
        • في نشرة العلوم خطوة جديدة في طريق علاج العمى بالخلايا الجذعية
        إعلان

        المزيد من البودكاست

        هانش وكندال ورايخشتاين: ثلاثي كشف غموضِ الغدة الكظرية

        دقيقة للعِلم - منذ 4 دقيقة - بواسطة محمد منصور ، داليا عبد السلام08:03

        Full Transcript
        Download
        حمِّل MP3

        فرانك زامبوني...المبتكر الذي كرمه مشجع هوكي!

        دقيقة للعِلم - منذ 7 ساعة - بواسطة داليا عبد السلام05:33

        Full Transcript
        Download
        حمِّل MP3

        في نشرة العلوم خطوة جديدة في طريق علاج العمى بالخلايا الجذعية

        دقيقة للعِلم - 17 يناير 2021 - بواسطة داليا عبد السلام ، محمد منصور06:58

        Full Transcript
        Download
        حمِّل MP3

        "مونيز وهيس": سياسيٌّ يسجنُ الروحَ بجراحةِ دماغ.. وسويسريٌّ يكتشفُ خلايا تعديلِ السلوك

        دقيقة للعِلم - 11 يناير 2021 - بواسطة محمد منصور ، داليا عبد السلام08:55

        Full Transcript
        Download
        حمِّل MP3

        في نشرة العلوم..الذكاءُ الاصطناعيُّ "يُعيدُ اكتشافَ" الأدوية

        دقيقة للعِلم - 10 يناير 2021 - بواسطة داليا عبد السلام ، محمد منصور09:20

        Full Transcript
        Download
        حمِّل MP3

        مايكل جيه أوينز...صاحب الثورة في صناعة الزجاجات

        دقيقة للعِلم - 4 يناير 2021 - بواسطة داليا عبد السلام04:14

        Full Transcript
        Download
        حمِّل MP3
        عرض كل البودكاست

        تابعنا

        • instagram
        • soundcloud
        • youtube
        • twitter
        • facebook
        • rss
        • Return & Refund Policy
        • About
        • عن المجلة
        • FAQs
        • Contact Us
        • عن بنك المعرفة
        • Advertise
        • SA Custom Media
        • Terms of Use
        • Privacy Policy
        • California Consumer Privacy Statement
        • Use of cookies/Do not sell my data
        • International Editions
        بعض المحتوى والمواد تم استخدامها بتصريح من مجلة "ساينتفك أمريكان"، التابعة لمجموعة نيتشر للنشر.

        © 2021 المجلس التخصصي للتعليم والبحث العلمي التابع لرئاسة الجمهورية

        جميع الحقوق محفوظة.

        Scroll To Top

        You have free articles left.

        Temp Paywall Img

        Support our award-winning coverage of advances in science & technology.

        Already a subscriber? Sign in.

        Subscribers get more award-winning coverage of advances in science & technology.

        See Subscription Options