Skip to main content
للعِلم
  • الإشتراك بالنشرة الدورية
خيارات البحث المتقدم
  • فيروس كورونا
  • صحة
  • الصحة العقلية والنفسية
  • بيئة
  • تقنيات
  • فيزياء وفضاء
  • قضايا التعليم
  • فيديو
  • بودكاست
      دقيقة للعِلم
      الطب
      دقيقة للعِلم
      إشترك:
      • Apple iTunes
      • RSS

      جاجدوسك وبلومبرج.. كيفَ ظهرتِ الأمراضُ المعدية؟

      • بقلم محمد منصور، داليا عبد السلام بتاريخ 28 سبتمبر 2021
      حمِّل
      حمِّل MP3
      • شارك على Facebook
      • شارك على Twitter
      • شارك على Reddit
      • شارك على LinkedIn
      • شارك على Email
      • إطبع
      جاجدوسك وبلومبرج.. كيفَ ظهرتِ الأمراضُ المعدية؟

      Full Transcript

      تنتشرُ حولَنا في كلِّ مكانٍ العواملُ المُعديةُ المُسببةُ للأمراض. فهيَ جزءٌ منْ روتينِنا اليوميِّ. أصغرُ تلكَ الكائناتِ المُعديةِ هيَ الفيروسات؛ التي تغزو أجهزتَنا وتقاومُها مناعتُنا. في ظلِّ الظروفِ العادية؛ تتغلبُ المناعةُ على تلكَ الكائناتِ المُمرضة. لكنْ؛ ومنْ حينٍ إلى آخر؛ تحدثُ عدوى تأخذُ مسارًا مختلفًا تمامًا.

      في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وستةٍ وسبعين؛ وصفَ الفائزانِ بنوبل -باروخ بلومبرج وكارلتون جاجدوسك- الآلياتِ التي تنطوي على حدوثِ العدوى، بعدَ أنْ درسا أمراضًا منْ أنواعٍ مختلفة.

      حققَ باروخ بلومبرج، في بدايةِ عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وستين، في وراثةِ بروتيناتِ دمٍ معينة. واكتشفَ بروتينًا جديدًا. ووجدَ شيئًا مختلفًا تمامًا عنْ أنواعِ البروتيناتِ التي كانَ يبحثُ عنها. لمْ يكنِ البروتينُ الذي اكتشفَهُ جزءًا منْ مكوناتِ الجسمِ الطبيعية، بلْ كانَ فيروسًا يسببُ اليرقان.

      منَ المعروفِ منذُ عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وأربعينَ أنَّ هناكَ شكلينِ مختلفينِ منَ اليرقانِ الناجمِ عنِ الفيروسات. ينتقلُ أحدُ أشكالِ المرضِ كعدوى معويةٍ بينما ينتشرُ الشكلُ الآخرُ بشكلٍ أساسيٍّ عنْ طريقِ نقلِ الدم. تسببَ الفيروسُ الذي اكتشفَهُ بلومبرج في الشكلِ الأخيرِ منَ المرض. بعدَ التعرُّضِ لهذا الفيروس، قدْ يظهرُ مرضُ الكبدِ بعدَ ثلاثةِ أشهرٍ إلى أربعة. عادةً ما تتلاشى أعراضُ المرضِ بعدَ بضعةِ أسابيع. ومعَ ذلكَ، تفتقرُ أجسامُ بعضِ الأفرادِ إلى القدرةِ على القضاءِ على عدوى الفيروس، والتي تستمرُّ بالتالي طوالَ الحياة. تحدثُ مثلُ هذهِ العدوى المستمرةِ في حوالَيْ واحدٍ منْ كلِّ ألفِ شخصٍ في مجتمعٍ صناعيٍّ وإجماليًّا في أكثرَ منْ مئةِ مليونِ فردٍ حولَ العالم. والأفرادُ الذينَ يحملونَ هذا النوعَ منَ العدوى المستمرةِ يمثلونَ مصدرًا للمزيدِ منَ انتقالِ الفيروس. بفضلِ اكتشافِ بلومبرج، أصبحَ منَ الممكنِ اليومَ تحديدُ هؤلاءِ الأفرادِ الذينَ، على سبيلِ المثال، لا ينبغي لهمْ أنْ يتبرعُوا بالدمِ إطلاقًا. كما ابتُكرتْ -بفضلِ اكتشافاتِه- إمكانياتٌ جديدةٌ للوقايةِ منْ هذا النوعِ منَ اليرقان.

      أما كارلتون جاجدوسك فقدْ درسَ في نهايةِ عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وخمسينَ مرضًا ملحوظًا في الشعوبِ التي تعيشُ في مرتفعاتِ غينيا الجديدة. المرضُ، المسمَّى كورو يُسببُ تدميرًا تدريجيًّا للدماغ، ويؤدي في النهايةِ إلى الوفاة. يفتقرُ كورو إلى العلاماتِ والأعراضِ المعروفةِ للأمراضِ المُعديةِ كالحمى والالتهابات. على الرغمِ منْ هذا أظهرَ "جاجدوسك" أنَّ المرضَ نتجَ عنْ عاملٍ مُعدٍ تسبَّبَ -حينَ أصابَ الشمبانزي- في ظهورِ أعراضٍ بعدَ نحوِ ثلاثِ سنواتٍ كاملة.

      اهتمَّ "بلومبرج" كعالِمِ وراثةٍ بدراسةِ التبايُنِ بينَ أنواعٍ معينةٍ منَ البروتيناتِ التي تحدثُ في دماءِ الأفرادِ المختلفين. فيما يتعلقُ بهذهِ الدراساتِ، كشفَ وجودَ بروتينٍ فريدٍ في دمِ مريضٍ مصابٍ بالهيموفيليا، والذي تلقى لعدةِ مراتٍ عملياتِ نقلِ دم.  كانَ هذا البروتينُ يُسمى "مستضدَّ أستراليا".

      أظهرَ "بلومبرج" أنَّ المستضدَّ الأسترالي، المسمَّى الآنَ مستضدَّ HBs (مستضداتٍ للسطح) يمثلُ الهيكلَ الخارجيَّ للفيروس، الذي يسببُ عدوى التهابِ الكبدِ B. وهوَ اكتشافٌ كبيرٌ أسهمَ في رفعِ الوعيِ حولَ أمراضِ التهابِ الكبدِ الوبائي. وسمحَ بإجراءِ دراساتٍ وبائيةٍ مهمة.

      بفضلِ أبحاثِ "بلومبرج" تبيَّنَ أنَّ العمليةَ المُعديةَ لدى الأفرادِ المصابينَ بالعدوى تأخذُ واحدةً منْ عدةِ دوراتٍ مختلفة. بعدَ الإصابةِ بعدوى غيرِ مصحوبةٍ بأعراضٍ أوْ ظهورِ مرضٍ واضحٍ بعدَ ستينَ يومًا إلى مئةٍ وستينَ يومًا منَ الإصابة، يُزالُ الفيروسُ عادةً منَ الكائنِ الحي. ومعَ ذلك، فإنَّ حوالَي عشرةٍ بالمئةِ منْ جميعِ المرضى في المستشفياتِ في البلدانِ الصناعيةِ يصابونَ بعدوى مزمنة. وهذا يعني أنَّ حوالَي واحدٍ من الألفِ منَ الأفرادِ في المجتمعِ ككلٍّ يحملونَ عدوى فيروسِ التهابِ الكبدِ B. ولأسبابٍ غيرِ معروفة، فإنَّ الرقمَ المقابلَ لبعضِ البلدانِ الناميةِ أعلى منْ ذلكَ بكثيرٍ؛ إذْ يُمثلُ حوالَي واحدٍ بالمئةِ إلى خمسةَ عشَرَ بالمئة. تشيرُ التقديراتُ إلى أنَّهُ يوجدُ في العالَمِ بأسرِه أكثرُ منْ مئةِ  مليونِ شخصٍ مصابٍ بفيروسِ التهابِ الكبدِ B بشكلٍ مزمن.

      يمثلُ هؤلاءُ الأشخاصِ مصدرًا مهمًّا لانتشارِ الفيروس. منَ المعروفِ منذُ فترةٍ طويلةٍ أنَّ انتقالَ الفيروسِ يُمكنُ أنْ يحدثَ في سياقِ علاجاتٍ طبيةٍ مختلفةٍ مثلِ عملياتِ نقلِ الدم. تُظهرُ البياناتُ الحديثةُ أنَّهُ في ظلِّ ظروفٍ معينةٍ قدْ يحدثُ أيضًا انتقالٌ عنْ طريقِ الفمِ والأعضاءِ التناسلية، علاوةً على أنَّ المرأةَ الحاملَ قدْ تنقلُ العدوى إلى جنينِها. ومعَ ذلكَ، ليسَ كلُّ الأفرادِ المصابينَ بفيروسِ التهابِ الكبدِ B مُعدِين.

      والآنَ؛ وبسببِ النتائجِ التي توصلَ إليها "بلومبرج" يتمُّ فحصُ جميعِ المتبرعينَ بالدمِ اليومَ لتحديدِ احتمالِ حدوثِ عدوى مستمرةٍ بفيروسِ التهابِ الكبدِ B. ومنْ خلالِ القضاءِ على جميعِ ناقلاتِ المرضِ التي يمكنُ اكتشافُها، تمَّ تقليلُ تواتُرِ التهابِ الكبدِ الناجمِ عنْ نقلِ الدمِ بنسبةِ خمسةٍ وعشرينَ بالمئةِ على الأقل.

      أما "كارلتون جاجدوسك" فقدْ درسَ مجموعةً فريدةً منَ الأمراضِ في الدماغ. تمَّ الشروعُ في هذهِ الدراساتِ لتوضيحِ أصلِ مرضٍ ملحوظٍ هاجمَ بشكلٍ متكررٍ الناسَ الذينَ يعيشونَ في مرتفعاتِ غينيا الجديدة. يُطلَقُ على المرضِ اسمُ "كورو" و ظهرَ عندما تمَّ اكتشافُه في منتصفِ الخمسينياتِ منَ القرنِ الماضي، عندَ النساءِ والأطفال.

      منْ وقتِ ظهورِ الأعراضِ الأولى يحدثُ تدميرٌ تدريجيٌّ لأنسجةِ المخِّ يؤدِّي في غضونِ ستةِ أشهرٍ إلى اثني عشَرَ شهرًا إلى وفاةِ المريض. لا توجدُ سماتٌ لهذا المرضِ تشيرُ إلى أنَّهُ قدْ يكونُ سببُه عاملًا مُعديًا. فالمرضى لا يعانونَ منَ الحمى ولا توجدُ علاماتُ التهاب. أجرى "جاجدوسك" تحليلًا دقيقًا للأعراضِ المميزةِ المختلفةِ التي تحدثُ في أثناءِ المرضِ وتوزيعِه الوبائي. كما تمكَّنَ منَ الوصولِ إلى عيناتِ الدماغِ منَ المرضى المتوفَّين، مما سمحَ له بتحليلٍ مجهريٍّ مفصَّل. ورفَضَ الفرضياتِ المختلفةَ التي تفترضُ أنَّ المرضَ قدْ يكونُ ذا طبيعةٍ وراثيةٍ مألوفةٍ أوْ أنه ناجمٌ عنْ بعضِ التسممِ الفريدِ - بدلاً منْ ذلكَ نقصُ بعضِ العناصرِ الغذائيةِ الأساسيةِ - بعدَ إجراءِ تحليلاتٍ دقيقة.

      أدركَ "جاجدوسك" أنَّ التغيراتِ في أدمغةِ المرضى الذينَ يعانونَ منْ "كورو" تشتركُ في ميزاتٍ معينةٍ معَ المرضِ المُعدي الفريدِ في الأغنامِ المسمى "سكاربيه"، مما جعلَهُ يبذلُ محاولاتِه لنقلِ العواملِ المعديةِ المحتملةِ أيضًا إلى حيواناتِ التجاربِ الأكبر. عنْ طريقِ حَقنِ الشمبانزي بخلايا دماغيةٍ منْ مرضى كورو، تمكَّنَ جاجدوسك في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وخمسةٍ وستينَ بشكلٍ غيرِ متوقَّعٍ منْ إصابةِ تلكَ الحيواناتِ بالمرضِ الذي كانَ مطابقًا لمرضِ كورو في الإنسان.

      كانَ الوقتُ بينَ حَقنِ الحيواناتِ وظهورِ الأعراضِ الأولى سنةً ونصفَ سنةٍ إلى ثلاثِ سنوات. هذا الاكتشافُ يعني وجودَ عواملَ مُعديةٍ ذاتِ طبيعةٍ غيرِ معروفةٍ سابقًا في الإنسان.

      بفضلِ أبحاثِ "جاجدوسك" تمَّ توضيحُ خلفيةِ وبائياتِ كورو. منْ بينِ خمسةٍ وثلاثينَ ألفَ شخصٍ في مجموعةِ الأشخاصِ التي ظهرَ فيها المرض، تُوفيَ أكثرُ منْ ثلاثةِ آلافِ مريضٍ على مدى عقدينِ منَ الزمن. وقدْ ثبتَ أنَّ الوضعَ الذي يسمحُ بانتقالِ العاملِ المُعدي هوَ شكلُ طقوسِ أكلِ لحومِ البشرِ، التي كانتْ تُمارَسُ حتى عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وتسعةٍ وخمسينَ في هذهِ المجموعةِ منَ الناس. فيما يتعلقُ بتحضيرِ أحدِ أقاربِ المتوفَّى كغرضٍ لوجبةٍ جنائزية، تعرضتِ النساءُ والأطفالُ للعاملِ المُعدي. منذُ أنْ توقفتْ طقوسُ أكلِ لحومِ البشرِ بعدَ عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وتسعةٍ وخمسين، لمْ يظهرْ كورو في الأطفالِ الذين وُلدوا بعدَ هذا العام.

      دفعتْ حقيقةُ أنَّ مرضًا مثلَ "كورو" الذي لا يرتبطُ بالحمى أوْ أيِّ تفاعُلٍ التهابي، بسببِ عاملٍ مُعدٍ، إلى تحليلِ العديدِ منَ العملياتِ المدمرةِ الأخرى في الجهازِ العصبيِّ المركزي. تركَّزَ الاهتمامُ في البدايةِ على مرضٍ يُسمى مرضَ "كروتزفيلد جاكوب". هذا المرضُ غيرُ شائع (حوالَي حالةٍ واحدةٍ لكلِّ مليونِ فرد) ولكنَّهُ يحدثُ في جميعِ أنحاءِ العالم.

      وُلدَ "بلومبرج" في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وخمسةٍ وعشرينَ في مدينةِ نيويورك، وكانَ الثاني منْ بينِ ثلاثةِ أطفال. جاءَ أجدادُه إلى الولاياتِ المتحدةِ منْ أوروبا في نهايةِ القرنِ التاسعَ عشَر. وكانوا أعضاءً في مجموعةٍ مهاجرةٍ ولديهِم ثقةٌ كبيرةٌ بإمكانياتِ بلدِهم الجديد.

      تلقَّى تعليمَهُ الابتدائيَّ في مدرسةٍ عبريةٍ ضيقةِ الأفق، وفي سنٍّ مبكرة، بالإضافةِ إلى تعليمٍ علمانيٍّ صارم، تعلَّمَ العهدَ العبريَّ باللغةِ الأصلية. كانَ يُمضي ساعاتٍ طويلةً في التعليقاتِ الحاخاميةِ على الكتابِ المقدسِ وانغمسَ في التفكيرِ الوجوديِّ للتلمودِ في عصرِ العلم.

      بعدَ أنِ التحقَ بمدرستِه الثانوية، التحقَ بالبحريةِ الأمريكيةِ في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثلاثةٍ وأربعينَ وأنهى دراستَه الجامعيةَ تحتَ رعايةٍ عسكرية.

       تمَّ تكليفُه للعملِ ضابطًا على ظهرِ السفينة، وعملَ على متنِ سفنِ الإنزال، وكانَ قائدًا لإحدى هذهِ السفنِ ثمَّ تركَ الخدمةَ في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وستةٍ وأربعينَ. ظلَّ اهتمامُه بالبحرِ قائمًا. في السنواتِ اللاحقة، قامَ بالعديدِ منَ الرحلاتِ بصفتِه بحارًا تجاريًّا، وحصلَ على تذكرةٍ بصفتِه طبيبًا جراحًا على السفن، وفي أثناءِ دراستِه في كليةِ الطب، عملَ أحيانًا على السفنِ الشراعية.

       تعلمَ "بلومبرج" منْ تجربةِ البحرِ بشكلٍ كبيرٍ طرقَ حلِّ المشكلات، وتعلمَ أيضًا التخطيطَ المكثفَ قبلَ العمل، وترتيبَ الطرقِ البديلةِ للوصولِ إلى النهاية. وهيَ تقنياتٌ لها تطبيقاتٌ في أنواعٍ معينةٍ منَ البحث، لا سيما في تنفيذِ الدراساتِ الميدانية.

      حصلَ على شهادةٍ جامعيةٍ في الفيزياءِ منْ جامعةِ Union College في شمالِ نيويورك، وفي عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وستةٍ وأربعينَ بدَأَ العملَ في الدراساتِ العليا في شعبةِ الرياضياتِ في جامعةِ كولومبيا. اقترحَ والدُه، الذي كانَ محامياً، أنْ يذهبَ إلى كليةِ الطبِّ، فدخلَ كليةَ الأطباءِ والجراحينَ في جامعةِ كولومبيا في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وسبعةٍ وأربعين. يقولُ "بلومبرج" إنَّهُ استمتعَ كثيراً بسنواتِ الدراسةِ الأربعِ في الكلية. فقدْ كانَ هناكَ تركيزٌ قويٌّ على العلومِ والبحوثِ الأساسيةِ في العامَينِ الأولينِ وتعلَّمَ التطبيقاتِ العمليةَ فقطْ في السنتينِ الثالثةِ والرابعة.

      بينَ عامِه الثالثِ والرابع، رتبَ لهُ هارولد براون، أستاذُ علمِ الطفيلياتِ، قضاءَ عدةِ أشهرٍ في "موينجو" وهيَ بلدةُ تعدينٍ معزولة ، لا يمكنُ الوصولُ إليها إلا عنْ طريقِ النهرِ، في بلدِ المستنقعاتِ والأشجارِ المرتفعةِ في شمالِ سورينام.

      في أثناءِ وجودِه هناك، قامَ بعملياتِ توليدٍ وقدمَ الخدماتِ السريرية، وأجرى العديدَ منْ مسوحِ الصحةِ العامة، بما في ذلكَ المسحُ الأولُ للملاريا الذي تمَّ إجراؤُه في تلكَ المنطقة.

      سافرَ "بلومبرج" طوالَ خمسينياتِ القرنِ الماضي حولَ العالَمِ لأخذِ عيناتٍ منْ دمِ الإنسان، بهدفِ دراسةِ الاختلافاتِ الوراثيةِ عندَ البشرِ، معَ التركيزِ على معرفةِ سببِ إصابةِ بعضِ الأشخاصِ بمرضٍ ما في بيئةٍ معينة، في حينِ لا يُصابُ البعضُ الآخرُ بهِ حتى تعرَّفَ على فيروسِ التهابِ الكبدِ ب، وطورَ في وقتٍ لاحقٍ الاختبارَ الذي يسمحُ بتشخيصِه ولقاحِه، وهوَ الأمرُ الذي قادَه للحصولِ على جائزةِ نوبل.

      وتوفيَ "بلومبرج" في عامِ ألفينِ وأحدَ عشَر بعدَ إصابتِه بنوبةٍ قلبية.

      في عامِ ألفينِ وتسعة؛ ظهرَ الفيلمُ الوثائقيُّ "العبقري والفتيان"، الذي يحققُ في الاكتشافاتِ الغامضةِ للحائزِ على جائزةِ نوبلِ الأمريكي كارلتون جاجدوسك. اكتشفَ جاجدوسك مرضَ جنونِ البقرِ في بابوا غينيا الجديدةِ في الخمسينيات، كانَ يتنقلُ حولَ العالم، معَ التركيزِ على أكثرِ الشعوبِ المعزولةِ التي لا تزالُ موجودةً في العالم. تبنَّى سبعةً وخمسينَ طفلاً في معظمِهم منَ الأولاد. في أواخرِ التسعينيات، وُجهتْ إليه تهمةُ الاعتداءِ على أحدِ الصبيةِ في رعايتِه - صبيٍّ يبلغُ منَ العمرِ آنذاكَ  ستةَ عشَرَ عامًا منْ ميكرونيزيا. كشفَ الفيلمُ كيفَ اعترفَ "جاجدوسك" بممارسةِ الجنسِ معَ العديدِ منَ الأطفالِ الآخرينَ أيضًا. تمتْ مقابلةُ رجلٍ تعرضَ لسوءِ المعاملةِ في طفولتِه في الفيلم، بالإضافةِ إلى العديدِ منَ العلماءِ الأسطوريينَ الذينَ كانوا أصدقاءَ لـلعالِمِ "جاجدوسك" واعتبروا الأجزاءَ الجنسيةَ في شخصيتِه أقلَّ أهميةً منْ أنْ تُروى!

      بدأتِ اهتماماتُ "جاجدوسك" العلميةُ قبلَ سنواتِ دراستِه، فحينَ كانَ طفلاً في الخامسةِ منْ عمرِه تجولَ في الحدائِقِ والحقولِ والغاباتِ معَ أختِ والدتِه عالِمةِ الحشراتِ "تانتي إيرين" حيثُ فتشا الصخورَ وسعيا إلى معرفةِ عددٍ منَ الأنواعِ النباتيةِ والحيوانيةِ المختلفة. وجمعا معًا كتلًا صمغيةً صلبةً غريبةً واكتشفا دبابيرَ ذاتِ مستحلباتٍ طويلةٍ تضعُ بيضَها في يرقاتِ الخنافس. في أطباقِ بتري، شاهدَ "جاجدوسك" بينما كانَ صغيرًا بعضَ الحشراتِ الآكلةِ للأوراقِ تستسلمُ لسمومِ مبيداتِ الحشراتِ كما شاهدَ نجاةَ بعضِها الآخر، وفي رحلاتٍ مثيرةٍ قامَ بزيارةِ المعاملِ والدفيئاتِ التجريبيةِ لمعهدِ Boyce Thompson لأبحاثِ النباتِ في مسقطِ رأسِه بمدينةِ نيويورك.

      في السنواتِ الأولى منْ دراستِه في المدرسة، واجَهَ مشكلاتٍ معَ أساتذتِه في حملِ أوانٍ مخصصةٍ لقتلِ الحشراتِ إلى المدرسة، والتي تحملُ عنوانَ "سم: سيانيد البوتاسيوم". وقبلَ أنْ يبلغَ العاشرةَ منْ عمرِه كانَ يعرفُ أنهُ يريدُ أنْ يصبحَ عالِمًا مثلَ عمتِه. رفضَ تمامًا، كما رفضَ أخوهُ الأصغرُ روبرت، الذي أصبحَ شاعرًا وناقدًا، العملَ في الأعمالِ التجاريةِ لوالدِه. وفضَّلا شقَّ طريقِهما بنفسيهِما.

      ركزتْ أعمالُ "جاجدوسك" على مرضِ كورو، الذي انتشرَ بينَ شعوبِ غينيا الجديدةِ في الخمسينياتِ والستينيات. وربطَ انتشارَه بممارسةِ عادةِ أكلِ لحومِ البشرِ منْ قبلِ تلكَ الشعوب. اختفى مرضُ كورو في غضونِ جيلٍ واحدٍ بمجردِ القضاءِ على عادةِ أكلِ لحومِ البشر.

      اتُّهمَ بالتحرشِ الجنسيِّ بالأطفالِ في أبريل منْ عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وستةٍ وتسعين، وأقرَّ بأنَّهُ مُذنبٌ في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وسبعةٍ وتسعين، ونتيجةً لاعترافِه، حُكمَ عليهِ بالسجنِ لمدةِ اثني عشَرَ شهرًا. سُمحَ له بالعملِ لمدةِ خمسِ سنواتٍ تحتَ المراقبةِ في أوروبا بعدَ إطلاقِ سراحِه في عامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثمانيةٍ وتسعين. ولمْ يعدْ أبدًا إلى الولاياتِ المتحدةِ وعاشَ في أمستردام، وتوفيَ في عامِ ألفينِ وثمانيةٍ في مدينةِ ترومسو بالنرويج.

      عن الكتّاب

      author-avatar

        محرر علمي درس الهندسة الميكانيكية بجامعة حلوان المصرية. وحصل على دورات متخصصة في الصحافة العلمية من جامعة ييل، ودورات في مجال صحافة الطاقة في جامعة ستانفورد، يركز في عمله على القضايا العلمية المرتبطة بالتنمية المجتمعية وقضايا التغير المناخى.

        مقالات نُشرت مؤخرًا لـ محمد منصور

        • جهاز بسيط يقيس مستويات الأجسام المضادة عند المُطعَّمين
        • الكشف عن أصل "الموت الأسود"
        • في نشرةِ العلوم.. بروتينُ "مصلِ اللبن" يُساعدُ على التحكمِ في مرضِ السكري
        author-avatar

          رئيس تحرير "للعلم" الطبعة العربية لساينتفك أمريكان وصحفية حاصلة على جوائز ومتخصصة في شئون البيئة

          مقالات نُشرت مؤخرًا لـ داليا عبد السلام

          • في نشرةِ العلوم.. بروتينُ "مصلِ اللبن" يُساعدُ على التحكمِ في مرضِ السكري
          • نوبل الكيمياء عامَ 1905.. لاستخراجِ "النيلة" منَ الفحم
          • في نشرة العلوم...عادات سبع تسهم في تقليل خطر الإصابة بخرف الشيخوخة
          إعلان

          المزيد من البودكاست

          في نشرةِ العلوم.. بروتينُ "مصلِ اللبن" يُساعدُ على التحكمِ في مرضِ السكري

          دقيقة للعِلم - بواسطة داليا عبد السلام ، محمد منصور08:48

          Full Transcript
          Download
          حمِّل MP3

          نوبل الكيمياء عامَ 1905.. لاستخراجِ "النيلة" منَ الفحم

          دقيقة للعِلم - بواسطة محمد منصور ، داليا عبد السلام06:53

          Full Transcript
          Download
          حمِّل MP3

          في نشرة العلوم...عادات سبع تسهم في تقليل خطر الإصابة بخرف الشيخوخة

          دقيقة للعِلم - بواسطة داليا عبد السلام ، محمد منصور09:48

          Full Transcript
          Download
          حمِّل MP3

          نوبل الكيمياء عامَ 1904.. اكتشافُ العناصرِ الصامتة

          دقيقة للعِلم - بواسطة محمد منصور ، داليا عبد السلام10:41

          Full Transcript
          Download
          حمِّل MP3

          في نشرة العلوم.. عوامل تزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي

          دقيقة للعِلم - بواسطة داليا عبد السلام ، محمد منصور06:24

          Full Transcript
          Download
          حمِّل MP3

          نوبل الكيمياء عام 1903.. ماذا يحدث حين يذوب الملح في الماء؟

          دقيقة للعِلم - بواسطة محمد منصور ، داليا عبد السلام05:23

          Full Transcript
          Download
          حمِّل MP3
          عرض كل البودكاست

          تابعنا

          • instagram
          • soundcloud
          • youtube
          • twitter
          • facebook
          • rss
          • Return & Refund Policy
          • About
          • عن المجلة
          • FAQs
          • Contact Us
          • Site Map
          • Advertise
          • SA Custom Media
          • Terms of Use
          • Privacy Policy
          • California Consumer Privacy Statement
          • Use of cookies/Do not sell my data
          • International Editions
          بعض المحتوى والمواد تم استخدامها بتصريح من مجلة "ساينتفك أمريكان"، التابعة لمجموعة نيتشر للنشر.

          © 2022 ساينتيفيك أمريكان، أحد أقسام شركة سبرنجر نيتشر أمريكا، شركة مساهمة.

          جميع الحقوق محفوظة.

          Scroll To Top

          Support science journalism.

          Scientific American paper issue and on tablet

          Thanks for reading Scientific American. Knowledge awaits.

          Already a subscriber? Sign in.

          Thanks for reading Scientific American. Create your free account or Sign in to continue.

          Create Account

          See Subscription Options

          Continue reading with a Scientific American subscription.

          You may cancel at any time.

          Sign in.