
كان حلمه أن يصبح طيارًا ولكن القدر كان له رأيًا آخر، ففي عام 1936، استعار الشاب جاك إيف كوستو الذي كان يدرس الطيران في البحرية الفرنسية، سيارة والده الرياضية لحضور حفل زفاف. تعرض كوستو لحادث سير مروع وأصيب بجروح بالغة وبدا وكأن استئناف تدريب الطيران أمرًا مستحيلًا. كان الشاب يحتاج إلى طريقة لإعادة تأهيل جسده وتقوية ذراعيه المكسورة. نصحه الأطباء بالسباحة بانتظام في البحر الأبيض المتوسط. في وقت لاحق من العام الذي شهد الحادث، ذهب كوستو يوميا للسباحة بالقرب من ميناء طولون وأرتدى نظارات لواقية عينيه وبدأ يستكشف عالم ما تحت الماء، فكانت تلك هي اللحظة الفارقة والتي غيرت حياته تمامًا.
ولد جاك إيف كوستو في يوم 11 يونيو 1910 في سانت أندريه دي كوبزاك بجنوب غرب فرنسا. كان يعاني باستمرار في طفولته من آلام المعدة وفقر الدم. تعلم السباحة في سن الرابعة وبدأ شفه بعالم البحار. في شبابه كان لديه فضول لمعرفة كيفية عمل الآلات الميكانيكية. وحين اشترى أول كاميرا لتصوير الفيديو أنصب تركيزة على استكشاف كيفية عمل تلك الكاميرا. حين أنهى المدرسة تقدم للألتحاق بالأكاديمية البحرية عام 1930.
بعد أن رآي كوستو عالم الأعماق للمرة الأولى، أصبح شغله الشاغل هو استكشاف هذا العالم السحري، فظل يبحث عن طريقة تسمح للبشر بالغطس والبقاء لفترة أطول تحت الماء، فترة أطول مما يمكن أن تسمح به رئة واحدة ممتلئة بالهواء. دخل كوستو في شراكة مع صديق له يعمل مهندسا وتشاركا في اختراع جهاز للتنفس تحت الماء أو رئة مائية والذي عرف بعد ذلك باسم سكوبا في عام 1943. منذ ذلك الحين تغير العالم إلى الأبد.
سمح هذا الجهاز للبشر باستكشاف المحيط بحرية لأول مرة. بعد الحرب العالمية الثانية، كان كوستو وأثنين من أصدقائه يقومون بتجارب غوص عديدة حتى أطلق عليهم (فرسان البحر).
في عام 1950، قام كوستو بتحويل كاسحة ألغام خشبية سابقة تسمى "كاليبسو" إلى سفينة بحث علمي، مجهزة بأحدث التقنيات والمختبرات وأدوات الغوص والتصوير تحت الماء. وأصدر في عام 1953 كتابًا بعنوان "العالم الصامت". بعد ثلاث سنوات، قام كوستو بتحويل الكتاب إلى فيلم بنفس الاسم وحقق الفيلم نجاحا منقطع النظير وحصل على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان في عام 1956 وحصل على الأوسكار في نفس العام. في عام 1964 حصل كوستو على جائزة الأوسكار الثانية عن فيلمه "عالم بدون شمس". وفي عام 1968 وحتى عام 1975 ظهرت لكوستو سلسلة من الحلقات التلفزيونية الوثائقية والتي أسماها "عالم الأعماق" وأحدثت تلك الحلقات وقتها ضجة عالمية.
من خلال أكثر من 115 فيلمًا وثائقيا و50 كتابًا، فتح كوستو خزائن أسرار المحيطات أمام ملايين البشر. خلال هذا الوقت، انضم إلى كوستو نجله الأصغر فيليب الذي أدار وأنتج وصور 26 حلقة من سلسلة والده "عالم الأعماق" بالإضافة إلى سلسلته الخاصة "واحة في الفضاء" والمكونة من 6 أجزاء.
تلقى المستكشف والمخترع الفرنسي خلال حياته المهنية العديد من الأوسمة والجوائز من ضمنها الميدالية الذهبية للجمعية الجغرافية الوطنية، التي قدمها له الرئيس جون كينيدي عام 1961.
وتم الاعتراف به كفارس وسام جوقة الشرف لخدمته مع المقاومة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية. شغل كوستو منصب مدير متحف علم المحيطات في موناكو لمدة ثلاثين عامًا كما كان عضوًا في الأكاديمية الأمريكية للعلوم. وفي عام 1977 منحته الأمم المتحدة جائزة البيئة الدولية.
في عام 1990 أطلق حملة عالمية عريضة لإنقاذ القارة القطبية الجنوبية من التنقيب عن المعادن. ونجحت حملته في حث جميع دول العالم على حماية أنتاركتيكا من براثن الاستغلال. توفي كوستو عام 1997 عن عمر يناهز 87 عامًا بعد أن كشف العديد من أسرار المحيطات.