
أدوات الطبيب، لعبة يحبها الأطفال ويستمتعون بها وأكثر ما يستخدمونه من تلك الأدوات: السماعة، يضعونها على صدور بعضهم البعض ويبتسمون دليل على أن المريض بخير أو يتجهمون إذا سمعوا صوتا غير طبيعي.
هل سألت نفسك يوما ما، من هو صاحب هذا الأبتكار الثوري؟ إنه الطبيب الفرنسي رينيه لاينك. ولد لاينك في بلدة كيمبير في فرنسا يوم 17 فبراير عام 1781. فقد والدته وهو في السادسة بسبب مرض السل ، وأرسله والده ليعيش مع بعض أفراد أسرته.
تغيرت حياة الطفل حين أنتقل مع شقيقه "ميشو" لبيت عمهما الطبيب جييوم لانيك في مدينة نانت. كان جييوم طبيبا مهما يحظى باحترام كبير. فتأثر به ابن اخيه وقرر دراسة الطب في سن 14 عام.
أمضى لاينك طفولته في نانت وسط اضطرابات الثورة الفرنسية وما تلاها من فوضى. كانت نافذة غرفته تطل على مقصلة شهدت 3000 عملية إعدام شاهد منهم الشاب حوالي 50 عملية.
وعلى الرغم من الواقع الكئيب، واصل لاينك تعليمه بدءب ونجاح، وقرر أن يكون الطب مهنته. درس علوم الكيمياء والفيزياء كما درس اللغات اليونانية واللاتينية، ودرس معهم الفن والرقص وتعلم العزف على الفلوت، الموهبة التي ربما كان لها دورا محوريا في اكتشافه للسماعة الطبية فيما بعد.
كان لاينك هزيلا، ضئيل الجسد. ظهرت علامات ضعفه البدني وهو شاب في ال 17 من عمره.
كانت دراساته وعمله الشاق يسببان له متاعب كبيرة، وكان يعاني من حمى طويلة مصحوبة بإرهاق وصعوبة في التنفس. وحين تعافى كان مصمما على القيام بدوره كمعالج.
في أبريل عام 1801 قرر أن يذهب إلى باريس سيرا على قدميه لمسافة 200 ميل لكن الأيام العشرة المرهقة التي قضاها في الطريق كانت ثمناً زهيدا دفعه لانيك راضيا تحقيقا لحلمه.
لم يمضى وقت يذكر على وصوله باريس حتى تم قبوله كطالب طب في أفضل مستشفيات المدينة حيث عمل مع الطبيب العظيم جون نيكولا كورفيزار والذي أصبح فيما بعد، الطبيب الشخصي لنابليون بونابرت.
كان نهج كورفيزار في الطب موضوعيًا حيث ركز على مراقبة العلامات التشخيصية واكتشاف علاقتها بالمرض ودرب لاينك على مبدأ "أقرأ قليلا، شاهد كثيرا وأفعل كثيرا."
عمله المتواصل والشاق مع أستاذه أتى ثماره، ففي عام 1802 وعمره لا يزل 21 عام بدأ لاينك ينشر أوراقا علمية في مختلف الموضوعات منها ورقة بحثية حول ألتهاب الصفاق وهو نوع من الاتهابات يصيب الغشاء الداخلي للبطن والتي، من فرط أهميتها، وصفها المتخصصون آنذاك بأنها "مشاركة العصر". بعد عام واحد كرمته الدولة وفاز بالجائزة الأولى في الطب وجائزة صول في الجراحة.
في ظل كل تلك النجاحات، كان لاينك لا يزال يعاني من صعوبة في التنفس، دليلا على تطور مرض الدرن والتي كان طالب الطب يعتقد أنها مجرد حساسية الصدر!
استمر لاينك يعمل بلا هوادة وكان يعطي محاضرات في علم التشريح كان يوضح فيها أن وجود درنات في الرئة دليل على مرض السل. كان لاينك يحقق نجاحا تلو الآخر ولكن يشاء القدر ان تضطرب حياته من جديد بعد أن خطف السل عام 1810 أخاه ميشو! كان هذا المرض يسيطر على حياة الطبيب الشاب ولكنه ظل في حالة استنكار أن يكون هو شخصيا مصاب به رغم الآلام التي بدأ يعاني منها في الصدر.
في عام 1816، وجد لاينك نفسه يعمل في مستشفى ضعيفة الامكانيات والسمعة ولكن يشاء القدر أن يشهد ذلك المكان صناعتة للتاريخ حيث أبتكر فيه السماعة الطبية.
وصلت المستشفى امرأة شابة تعاني من الأعراض العامة لمرض القلب، كانت الطريقة الشائعة للكشف تتمثل في وضع الأذن على الصدر لكنها كانت تتعذر في بعض الأحيان بسب عمر المريض أو جنسه.
تذكر لاينك دراسته للموسيقى وكيف يمكن سماع الصوت بشكل مضخم، فقام بلف مجموعة من الأوراق (24 ورقة) في شكل اسطواني ووضع طرف على صدر المريضة والطرف الآخرعند أذنه فسمع قلب المريضة بوضوح شديد وهنا أختمرت في ذهنه فكرة السماعة الطبية فقام بتصميم اسطوانه خشبية يسمع بها قلب وصدر المريض، أي أنه قام باستخدام أذنه المدربة ليصل إلى صورة أكثر وضوحا للجسم البشري من الداخل.
في عام 1819 نشر لاينك كتابا مهما أحتوى على نتائج التجارب التي قام بها باستخدام السماعة الطبية واكتسب احتراما وتقديرا واسعا في العالم الغربي، ولكنه لم يتمكن للأسف من الاستمتاع بنجاحه وهو بكامل عافيته فترك وظيفته وممارساته كطبيب وعاش عامين في الريف الفرنسي يركب الخيل ويذهب إلى الكنيسة ويهتم بصحة جيرانه من المزارعين.
لكنه عاد مجددا إلى باريس في نهاية عام 1821 مسلحا بحبه للحياة وللطب واستطاع بالفعل أن يحقق العديد من النجاحات المتتالية وحول باريس إلى أهم مكان في العالم لدراسة الطب يأتيها الدارسين من كل مكان.
لكن مع ازدياد شهرته بشكل كبير كانت صحتة تتدهور بشكل كبير أيضا. كان مريضا للحد الذي دعاه لكتابة وصيته بعد أن تم تشخيصه كمريض بالسل بواسطة ابن شقيقه والذي سمع صوت السل بالسماعة الطبية. عاد لاينك إلى مسقط رأسه وأضاف جزءا لوصيته بحيث ترك "أعظم جزء من إرثه"، سماعته الطبية، لإبن أخيه.
ومثله مثل من أحب من أفراد أسرته قتله السل ولكن قبل أن يقتله كان قد فهم طبيعة المرض أكثر من أي طبيب آخر.