احتل الجيش الوردي المُشَكّل من أكثر من 22 ألف نحامٍ وردي بالغٍ، ملاّحة الساحلين الواقعة شمال شرق تونس في يونيو 2019 قبل أن يضاعف أعداده بعد شهر من ذلك بتفريخ 10800 من الكتاكيت في مستعمرته الجديدة على مساحة تزيد بقليل عن ألف هكتار (10 كيلومترات مربعة). كان عن حقٍّ غزوًا ورديًّا غير مسبوق، فقد فاق عددُ أفراد المستعمرة عددَ سكانِ البلدة الساحلية أنفسهم، الذين لا يتجاوزون 16289 مواطنًا وفق إحصائيات العام 2014.
وفي بلد يحتضن 41 موقعًا من المواقع المصنفة أراضي رطبة، ذات الأهمية الدولية، لا سيما كموئل للطيور المائية، وفق اتفاقية رامسار الدولية للحفاظ والاستخدام المستدام للمناطق الرطبة منذ 1975، "يمكن رؤية الفلامنجو في كل مكان في هذه الأراضي بتونس، مثل مناطق الساحلين وسبخة أريانة وسبخة سيجومي وملاحة طينة وغيرها، اعتمادًا على مستوى المياه المالحة وتوافر الطعام"، يقول هشام أزفزف، منسق الفريق العلمي لـ"جمعية أحباء الطيور"، التي بدأت بمراقبة المستعمرة الضخمة في 25 يونيو الماضي.
ويعدّ هذا الطائر الوردي الجميل من الطيور الشائعة في تونس، لكن حدثَ تعشيشٍ بالحجم الذي شهده الصيف الماضي يمثل -حسبما ورد في بيان صحفي للجمعية، حصلت "للعِلم" على نسخة منه- "استثناءً" في البلد المعتاد في فصل الشتاء على استضافة أسراب تُقدر بـ115 ألف نحام وردي. ووصف البيان حدث التعشيش الضخم الأخير بأنه "رقم قياسي جديد" في تونس بعد أهم حدث تعشيش تاريخي تمّ قبل أكثر من أربعة عقود، واحتضن زهاء 8200 من فراخ الفلامنجو في شطّ الفجيج (ولاية قابس جنوبًا).
وقد توحي هذه الأعداد الكبيرة للفلامنجو بأنه يعيش عمره الطويل الذي يتراوح بين 30 إلى 40 سنة في بحبوحة من العيش الآمن بين ضفتي المتوسط. لكن الواقع مخالف لذلك، ومسارات هجرته "غير آمنة عمومًا" بين القارتين، كما تفيد خديجة بوراس، المديرة التنفيذية لمجموعة البحث من أجل حماية الطيور (GREPOM منظمة مغربية غير حكومية مقرها المعهد العلمي بالرباط، شريك كامل لبيردلايف.
وعلى الرغم من انخفاض النسبة المئوية للأنواع التي يصنفها الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) في حالة تهديد، فإن أعداد الطيور المهاجرة تتراجع بشكل أسرع من الطيور المقيمة أو المهاجرة لمسافات قصيرة.
ويواجه هذا الطائر -كغيره من الطيور المهاجرة لمسافات طويلة- مصاعب وتحديات متزايدة في محطات الاستراحة وخلال فترات استيطانه الموسمية وتعشيشه، مثل القنص الجائر، والصيد العشوائي بالشباك، وجمع البيض، والصعق الكهربائي، والاصطدام بالطائرات، وشح الماء والطعام. في الفيديو التالي نرصد كم بالصورة كيف غزت طيور الفلامنجو السواحل التونسية بتلك الأعداد غير المسبوقة..